الاضْطِرَارُ إِلَى الْعِلاجِ بِالنَّجِسِ وَالْمُحَرَّمِ : Hukum berobat dengan barang najis atau haram versi fikih klasik
15 - الاضْطِرَارُ إِلَى الْعِلاجِ بِالنَّجِسِ وَالْمُحَرَّمِ : ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي وَجْهٍ - إ...
15 - الاضْطِرَارُ إِلَى الْعِلاجِ بِالنَّجِسِ وَالْمُحَرَّمِ :
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي وَجْهٍ - إِلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ وَالنَّجِسِ (1) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ " (2) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ جَوَازَ الاسْتِشْفَاءِ بِالْحَرَامِ عِنْدَ تَيَقُّنِ حُصُولِ الشِّفَاءِ فِيهِ ، كَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ ، وَالْخَمْرِ عِنْدَ الْعَطَشِ وَإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ ، وَلا يُجِيزُونَ الاسْتِشْفَاءَ بِالْحَرَامِ الَّذِي لا يُتَيَقَّنُ حُصُولُ الشِّفَاءِ بِهِ (3) .
وَيَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ لِجَوَازِ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ تَيَقُّنَ حُصُولِ الشِّفَاءِ فِيهِ وَعَدَمَ وُجُودِ دَوَاءٍ غَيْرِهِ (4) .
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ - عَلَى الْمَذْهَبِ - التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ غَيْرِ الْخَمْرِ ، سَوَاءٌ فِيهِ جَمِيعُ النَّجَاسَاتِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ (5) .
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي شُرُوطِ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ وَالنَّجِسِ وَحُكْمِ التَّدَاوِي بِهِ لِتَعْجِيلِ الشِّفَاءِ : ( ر : تَدَاوِي ) .
(1)الفواكه الدواني 2 / 441 ، والفروع 2 / 165 ، وكشاف القناع 6 / 116 ، والمجموع 9 / 50 .
(2)حديث : " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " . أخرجه البخاري ( 10 / 78 ) معلقا ، ووصله الإمام أحمد من قول ابن مسعود موقوفا عليه في كتاب الأشربة ( ص 63 ) وصححه ابن حجر في الفتح ( 10 / 79 ) .
(3)بدائع الصنائع 1 / 61 .
(4)ابن عابدين 4 / 113 ، 215 .
(5)المجموع 9 / 50 .
---( المجموع شرح المهذب 9/ 50 ط دار الفكر )---
( المهذب للشيرازي )
وَمَنْ اضْطَرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَا يَسُدُّ بِهِ الرَّمَقَ , لقوله تعالى : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ } وَهَلْ يَجِبُ أَكْلُهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( أَحَدُهُمَا ) يَجِبُ لقوله تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } ( وَالثَّانِي ) لا يَجِبُ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ لأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَرْكِهِ , وَهُوَ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ , وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْبَعَ مِنْهُ ؟ فِيهِ قَوْلانِ ( أَحَدُهُمَا ) لا يَجُوزُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ , لأَنَّهُ بَعْدَ سَدِّ الرَّمَقِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ , فَلا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ , كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالأَكْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ ( وَالثَّانِي ) يَحِلُّ , لأَنَّ كُلَّ طَعَامٍ جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ قَدْرَ سَدِّ الرَّمَقِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْبَعَ مِنْهُ , كَالطَّعَامِ الْحَلالِ . وَإِنْ اضْطَرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ وَصَاحِبُهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُهُ , لأَنَّ الامْتِنَاعَ مِنْ بَذْلِهِ إعَانَةٌ عَلَى قَتْلِهِ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ . } وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ ثَمَنَ الْمِثْلِ لَزِمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ , وَلا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ لأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ , فَإِنْ طَلَبَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَيْهِ , فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُقَاتَلَتِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَفِيهِ وَجْهَانِ ( أَحَدُهُمَا ) يَلْزَمُهُ لأَنَّهُ ثَمَنٌ فِي بَيْعٍ صَحِيحٍ ( وَالثَّانِي ) لا يَلْزَمُهُ إلا ثَمَنُ الْمِثْلِ كَالْمُكْرَهِ عَلَى شِرَائِهِ فَلَمْ يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ , وَإِنْ وَجَدَ الْمَيْتَةَ وَطَعَامَ الْغَيْرِ وَصَاحِبُهُ غَائِبٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ يَأْكُلُ الطَّعَامَ لأَنَّهُ طَاهِرٌ , فَكَانَ أَوْلَى ( وَالثَّانِي ) يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ , لأَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ , وَطَعَامُ الْغَيْرِ ثَبَتَ بِالاجْتِهَادِ , فَقُدِّمَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عَلَيْهِ , وَلأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى , وَالْمَنْعَ مِنْ طَعَامِ الْغَيْرِ لِحَقِّ الآدَمِيِّ وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسْهِيلِ , وَحُقُوقُ الآدَمِيِّ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّشْدِيدِ . وَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ , فَفِيهِ طَرِيقَانِ ( مِنْ ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إذَا قُلْنَا : إنَّهُ إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ صَارَ مَيْتَةً أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَتَرَكَ الصَّيْدَ , لأَنَّهُ إذَا ذَكَّاهُ صَارَ مَيْتَةً , وَلَزِمَهُ الْجَزَاءُ ( وَإِنْ قُلْنَا ) إنَّهُ لا يَصِيرُ مَيْتَةً أَكَلَ الصَّيْدَ لأَنَّهُ طَاهِرٌ , وَلأَنَّ تَحْرِيمَهُ أَخَفُّ لأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ , وَالْمَيْتَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ ( وَمِنْ ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : إنْ قُلْنَا إنَّهُ يَصِيرُ مَيْتَةً أَكَلَ الْمَيْتَةَ , وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لا يَكُونُ مَيْتَةً فَفِيهِ قَوْلانِ ( أَحَدُهُمَا ) يَذْبَحُ الصَّيْدَ وَيَأْكُلُهُ , لأَنَّهُ طَاهِرٌ وَلأَنَّ تَحْرِيمَهُ أَخَفُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ لأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا , وَالصَّيْدُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ , وَإِنْ اُضْطُرَّ وَوَجَدَ آدَمِيًّا مَيْتًا جَازَ لَهُ أَكْلُهُ , لأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ , وَإِنْ وَجَدَ مُرْتَدًّا أَوْ مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ فِي الزِّنَا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ , لأَنَّ قَتْلَهُ مُسْتَحَقٌّ , وَإِنْ اُضْطُرَّ وَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَيَأْكُلَهُ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ( قَالَ ) أَبُو إِسْحَاقَ : يَجُوزُ لأَنَّهُ إحْيَاءُ نَفْسٍ بِعُضْوٍ فَجَازَ , كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا إذَا وَقَعَتْ فِيهِ الآكِلَةُ لإِحْيَاءِ نَفْسِهِ , وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : لا يَجُوزُ لأَنَّهُ إذَا قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ كَانَ الْمَخَافَةُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ , وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ شَرِبَ الْبَوْلَ , لأَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ , أَغْلَظُ وَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ فَكَانَ الْبَوْلُ أَوْلَى وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَحْدَهَا فَفِيهِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَبَ , لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } ( وَالثَّانِي ) يَجُوزُ , لأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا ( وَالثَّالِثُ ) أَنَّهُ إنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِهَا لِلْعَطَشِ لَمْ يَجُزْ , لأَنَّهَا تُزِيدُ فِي الإِلْهَابِ وَالْعَطَشِ , وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا لِلتَّدَاوِي جَازَ
----------
( المجموع للنووي )
( الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ ) إذَا اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الدَّمِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَائِعَةِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ , جَازَ لَهُ شُرْبُهُ بِلا خِلافٍ , وَإِنْ اُضْطُرَّ وَهُنَاكَ خَمْرٌ وَبَوْلٌ لَزِمَهُ شُرْبُ الْبَوْلِ , وَلَمْ يَجُزْ شُرْبُ الْخَمْرِ بِلا خِلافٍ , لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَأَمَّا ) التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَاتِ غَيْرِ الْخَمْرِ فَهُوَ جَائِزٌ سَوَاءٌ فِيهِ جَمِيعُ النَّجَاسَاتِ غَيْرُ الْمُسْكِرِ , هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ , وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ , وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لا يَجُوزُ , لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ ( وَوَجْهٌ ثَالِثٌ ) أَنَّهُ يَجُوزُ بِأَبْوَالِ الإِبِلِ خَاصَّةً لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهَا , وَلا يَجُوزُ بِغَيْرِهَا , حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ , وَهُمَا شَاذَّانِ , وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا , لِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه { أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُرَيْنَةَ وَهِيَ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالنُّونِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلامِ فَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ , فَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : أَلا تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا ؟ قَالُوا : بَلَى فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَصَحُّوا , فَقَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَطْرَدُوا النَّعَمَ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ , هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ , وَفِي رِوَايَةٍ " فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا أَبْوَالَهَا وَأَلْبَانَهَا " . قَالَ أَصْحَابُنَا : وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهَا , فَإِنْ وَجَدَهُ حَرُمَتْ النَّجَاسَاتُ بِلا خِلافٍ , وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ : { إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ , وَلَيْسَ حَرَامًا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ . قَالَ أَصْحَابُنَا : وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُتَدَاوِي عَارِفًا بِالطِّبِّ , يَعْرِفُ أَنَّهُ لا يَقُومُ غَيْرُ هَذَا مَقَامَهُ , أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ عَدْلٌ , وَيَكْفِي طَبِيبٌ وَاحِدٌ , صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ , فَلَوْ قَالَ الطَّبِيبُ : يَتَعَجَّلُ لَكَ بِهِ الشِّفَاءُ . وَإِنْ تَرَكْتَهُ تَأَخَّرَ , فَفِي إبَاحَتِهِ وَجْهَانِ , حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ , وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا , وَقِيَاسُ نَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَكُونَ الأَصَحُّ جَوَازَهُ . ( أَمَّا ) الْخَمْرُ وَالنَّبِيذُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُسْكِرِ فَهَلْ يَجُوزُ شُرْبُهَا لِلتَّدَاوِي أَوْ الْعَطَشِ ؟ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ ( الصَّحِيحُ ) عِنْدَ جُمْهُورِ الأَصْحَابِ لا يَجُوزُ فِيهِمَا ( وَالثَّانِي ) يَجُوزُ ( وَالثَّالِثُ ) يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي دُونَ الْعَطَشِ ( وَالرَّابِعُ ) عَكْسُهُ . قَالَ الرَّافِعِيُّ : الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا , وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه عَنْهُ : { أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا , فَقَالَ : إنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ : إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ , وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ جَوَازَهَا لِلْعَطَشِ دُونَ التَّدَاوِي وَالْمَذْهَبُ الأَوَّلُ , وَهُوَ تَحْرِيمُهَا لَهُمَا , وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَسَأُورِدُ دَلِيلَهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , فَإِنْ جَوَّزْنَا شُرْبَهَا لِلْعَطَشِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ خَمْرٌ وَبَوْلٌ لَزِمَهُ شُرْبُ الْبَوْلِ وَحَرُمَ الْخَمْرُ , لأَنَّ تَحْرِيمَ الْبَوْلِ أَخَفُّ , قَالَ أَصْحَابُنَا : فَهَذَا كَمَنْ وَجَدَ بَوْلا وَمَاءً نَجِسًا فَإِنَّهُ يَشْرَبُ الْمَاءَ النَّجَسَ , لأَنَّ نَجَاسَتَهُ طَارِئَةٌ , وَفِي جَوَازِ التَّبَخُّرِ بِالنَّدِّ الْمَعْجُونِ بِالْخَمْرِ وَجْهَانِ بِسَبَبِ دُخَانِهِ " أَصَحُّهُمَا " جَوَازُهُ لأَنَّهُ لَيْسَ دُخَانَ نَفْسِ النَّجَاسَةِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . فَرْعٌ ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي وَالْعَطَشِ , وَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَّالِيَّ اخْتَارَا جَوَازَهَا لِلْعَطَشِ , قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : الْخَمْرُ يُسْكِنُ الْعَطَشَ فَلا يَكُونُ اسْتِعْمَالُهَا فِي حُكْمِ الْعِلاجِ , قَالَ : وَمَنْ قَالَ : إنَّ الْخَمْرَ لا يُسْكِنُ الْعَطَشَ فَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ , وَلا يُعَدُّ قَوْلُهُ مَذْهَبًا , بَلْ هُوَ غَلَطٌ وَوَهْمٌ بَلْ مُعَاقِرُ الْخَمْرِ يَجْتَزِئُ بِهَا عَنْ الْمَاءِ , هَذَا كَلامُهُ , وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ الأَصْحَابِ وَالأَطِبَّاءِ أَنَّهَا لا تُسْكِنُ الْعَطَشَ بَلْ تَزِيدُهُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ عَادَةِ شَرَبَةِ الْخَمْرِ أَنَّهُمْ يُكْثِرُونَ شُرْبَ الْمَاءِ , وَقَدْ نَقَلَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رحمه الله - نَصَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ شُرْبِهَا لِلْعَطَشِ مُعَلِّلا بِأَنَّهَا تُجِيعُ وَتُعَطِّشُ , وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ : سَأَلْتُ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ , فَقَالَ : الأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ : إنَّهَا تَرْوِي فِي الْحَالِ ثُمَّ تُثِيرُ عَطَشًا عَظِيمًا , وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ : قَالَتْ الأَطِبَّاءُ : الْخَمْرُ تَزِيدُ فِي الْعَطَشِ وَأَهْلُ الشُّرْبِ يَحْرِصُونَ عَلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ , فَحَصَلَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهَا لا تَنْفَعُ فِي دَفْعِ الْعَطَشِ , وَحَصَلَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا لا تَنْفَعُ فِي الدَّوَاءِ فَثَبَتَ تَحْرِيمُهَا مُطْلَقًا , وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . ( فَرْعٌ ) لَوْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَسِيغُهَا بِهِ إلا الْخَمْرَ فَلَهُ إسَاغَتُهَا بِهِ بِلا خِلافٍ , نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ , وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ , بَلْ قَالُوا : يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لأَنَّ السَّلامَةَ مِنْ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الإِسَاغَةِ قَطْعِيَّةٌ بِخِلافِ التَّدَاوِي وَشُرْبِهَا لِلْعَطَشِ , قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ : غَصَّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ لا بِضَمِّهَا يَغَصُّ بِفَتْحِهَا أَيْضًا غَصَصًا بِالْفَتْحِ أَيْضًا فَهُوَ غَاصٌّ وَغَصَّانُ وَأَغْصَصْتُهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ( فَرْعٌ ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : لا يَجُوزُ أَكْلُ التِّرْيَاقِ الْمَعْمُولِ بِلَحْمِ الْحَيَّاتِ إلا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ حَيْثُ تَجُوزُ الْمَيْتَةُ , هَذَا لَفْظُهُ . وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنها قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : { مَا أُبَالِي مَا أَتَيْتُ إنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا , أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً , أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ , وَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الثَّلاثَةَ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهَا مَذْمُومَةً .
====================================================
----( كشاف القناع 6 / 116 ط دار الفكر )----
( بَابُ حَدِّ الْمُسْكِرِ ) السُّكْرُ اخْتِلاطُ الْعَقْلِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : السَّكْرَانُ خِلافُ الصَّاحِي وَالْجَمْعُ سَكْرَى وَسُكَارَى بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَالْمَرْأَةُ سَكْرَى وَلُغَةُ بَنِي أَسَدٍ سَكْرَانَةُ وَالْمُسْكِرُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَسْكَرَ الشَّرَابُ إذَا جَعَلَ صَاحِبَهُ سَكْرَانَ أَوْ كَانَ فِيهِ قُوَّةُ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ مُحَرَّمُ بِالإِجْمَاعِ وَمَا نُقِلَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ وَابْنِ جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ أَنَّهَا حَلالٌ فَمَرْجُوعٌ عَنْهُ . نَقَلَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا وَسَنَدُهُ قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ } الآيَاتِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ } . وَفِي لَفْظٍ { كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ ( كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا قَالَ : { مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ } ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " أَمَّا بَعْدُ : أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ : مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْخَمْرُ مَا خَمَّرَ الْعَقْلُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَيُسَمَّى ) كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ ( خَمْرًا ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( وَلا يَجُوزُ شُرْبُهُ ) أَيْ الْمُسْكِرِ ( لِلَّذَّةِ وَلا لِتَدَاوٍ ) لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حَجَرٍ { أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ وَكَرِهَ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ : إنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ : إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ " إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَلا عَطَشَ بِخِلافِ مَا نَجِسَ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَرْدِ وَالرُّطُوبَةِ بِخِلافِ الْمُسْكِرِ . فَإِنَّهُ لا يَحْصُلُ بِهِ رِيٌّ لأَنَّ فِيهِ مِنْ الْحَرَارَةِ مَا يُزِيدُ الْعَطَشَ ( وَلا ) يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمُسْكِرِ فِي ( غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَا ذَكَرَ ( إلا لِمُكْرَهٍ ) فَيَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَقَطْ لِحَدِيثِ : { عُفِيَ لأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } ( أَوْ مُضْطَرُّ إلَيْهِ ) خَافَ التَّلَفَ ( لِدَفْعِ لُقْمَةِ غَصَّ بِهَا وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُسِيغُهَا ) فَيَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُهُ . لقوله تعالى : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ } وَلأَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ مَطْلُوبٌ بِدَلِيلِ إبَاحَةِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الاضْطِرَارِ إلَيْهَا وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا ( وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُسْكِرِ ( بَوْلٌ ) لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْكِرِ دُونَ الْبَوْلِ ( وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى الْمُسْكِرِ وَالْبَوْلِ ( مَاءٌ نَجِسٌ ) لأَنَّ الْمَاءَ مَطْعُومٌ بِخِلافِ الْبَوْلِ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْ حِلِّ اسْتِعْمَالِهِ نَجَاسَتُهُ ( وَفِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ) كَالشَّرْحِ ( إنْ شَرِبَهَا ) أَيْ الْخَمْرَ ( لِعَطَشٍ فَإِنْ كَانَتْ مَمْزُوجَةً بِمَا يَرْوِي مِنْ الْعَطَشِ أُبِيحَتْ لِدَفْعِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ) كَمَا تُبَاحُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ وَكَإِبَاحَتِهَا لِدَفْعِ الْغُصَّةِ ( وَإِنْ شَرِبَهَا صِرْفًا أَوْ مَمْزُوجَةً بِشَيْءٍ يَسِيرٍ لا يَرْوِي مِنْ الْعَطَشِ لَمْ تُبَحْ ) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا لأَنَّهَا لا تَرْوِي بَلْ تُزِيدُهُ عَطَشًا ( وَعَلَيْهِ الْحَدُّ انْتَهَى ) . لأَنَّ الْيَسِيرَ الْمُسْتَهْلَكَ فِيهَا لَمْ يَسْلُبْ عَنْهَا اسْمَ الْخَمْرِ ( وَإِذَا شَرِبَهُ ) أَيْ الْمُسْكِرَ ( الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ مُخْتَارًا ) لِحِلِّهِ لِمُكْرَهٍ ( عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ سَوَاءٌ كَانَ ) الشَّرَابُ الْمُسْكِرُ ( مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ ) لِمَا سَبَقَ ( قَلِيلا كَانَ ) الَّذِي شَرِبَهُ مِنْ الْمُسْكِرِ ( أَوْ كَثِيرًا أَوْ لَمْ يَسْكَرْ الشَّارِبُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا جَلَدُوا شَارِبَهَا . وَلأَنَّ الْقَلِيلَ خَمْرٌ فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ ( ثَمَانُونَ جَلْدَةً ) لإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِمَا رُوِيَ : أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : اجْعَلْهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً فَضَرَبَ عُمَرُ ثَمَانِينَ وَكَتَبَ بِهِ إلَى خَالِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بِالشَّامِّ وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الْمَشُورَةِ : " إذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ " رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ . وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ اسْتَفَاضَتْ بِتَحْرِيمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ لأَحَدٍ عُذْرٌ فِي اعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ وَقَدْ عَمَّمَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ إبَاحَةَ مَا شَرِبُوهُ بِخِلافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدَاتِ ( وَالرَّقِيقِ ) إذَا شَرِبَ الْمُسْكِرَ وَكَانَ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِهِ حَدُّهُ ( أَرْبَعُونَ ) عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً كَالزِّنَا وَالْقَذْفِ ( وَلا حَدَّ وَلا إثْمَ عَلَى مُكْرَهٍ عَلَى شُرْبِهَا سَوَاءٌ أُكْرِهَ بِالْوَعِيدِ أَوْ بِالضَّرْبِ أَوْ أُلْجِئَ إلَى شُرْبِهَا بِأَنْ يُفْتَحَ فُوهُ ) وَيُصَبَّ فِيهِ ( الْمُسْكِرُ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَصَبْرُهُ ) أَيْ الْمُكْرَهِ ( عَلَى الأَذَى أَوْلَى مِنْ شُرْبِهَا وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ فِعْلُهُ لِمُكْرَهٍ ) فَصَبْرُهُ عَلَى الأَذَى أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ ( وَلا ) حَدَّ أَيْضًا ( عَلَى جَاهِلٍ تَحْرِيمَهَا ) لأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ( فَلَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ ) بِتَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ ( مَعَ نَشْأَتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ذَلِكَ لأَنَّهُ خِلافُ الظَّاهِرِ . ( وَلا تُقْبَلُ ) أَيْ لا تُسْمَعُ ( دَعْوَى الْجَهْلِ بِالْحَدِّ ) فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الْخَمْرَ يُحَرَّمُ لَكِنْ جَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ بِشُرْبِهِ حُدَّ وَلَمْ تَنْفَعْهُ دَعْوَى الْجَهْلِ بِالْعُقُوبَةِ كَمَا مَرَّ فِي الزِّنَا ( وَيُحَدُّ مَنْ احْتُقِنَ بِهِ ) أَيْ الْمُسْكِرِ ( أَوْ اسْتَعَطَ ) بِهِ ( أَوْ تَمَضْمَضَ بِهِ فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ أَوْ أَكَلَ عَجِينًا لُتَّ بِهِ ) لأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الشُّرْبِ ( فَإِنْ خُبِزَ الْعَجِينُ فَأَكَلَ مِنْ خُبْزه لَمْ يُحَدَّ ) لأَنَّ النَّارَ أَكَلَتْ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ ( وَإِنْ ثُرِدَ فِي الْخَمْرِ أَوْ اصْطَبَغَ بِهِ أَوْ طَبَخَ بِهِ لَحْمًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقه حُدَّ ) لأَنَّ عَيْنَ الْخَمْرِ مَوْجُودَةٌ ( وَلَوْ خَلَطَهُ ) أَيْ الْمُسْكِرَ ( بِمَاءٍ فَاسْتُهْلِكَ ) الْمُسْكِرُ ( فِيهِ ) أَيْ الْمَاءِ ( ثُمَّ شَرِبَهُ ) لَمْ يُحَدَّ لأَنَّهُ بِاسْتِهْلاكِهِ فِي الْمَاءِ لَمْ يُسْلَبْ اسْمُ الْمَاءِ عَنْهُ ( أَوْ دَاوَى بِهِ ) أَيْ الْمُسْكِرِ ( جُرْحَهُ لَمْ يُحَدَّ ) لأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ شَرَابًا وَلا فِي مَعْنَاهُ ( وَلا يُحَدُّ ذِمِّيٌّ وَلا مُسْتَأْمَنٌ بِشُرْبِهِ ) أَيْ الْمُسْكِرِ ( وَلَوْ رَضِيَ بِحُكْمِنَا لأَنَّهُ يُعْتَقَدُ حِلَّهُ ) وَذَلِكَ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ .
===============================================
---( رد المحتار على الدر المختار 4 / 113 ط إحياء التراث )---
( الدر المختار )
. ( وَلَبَنِ امْرَأَةٍ ) وَلَوْ ( فِي وِعَاءٍ وَلَوْ أَمَةً ) عَلَى الأَظْهَرِ ; لأَنَّهُ جُزْءُ آدَمِيٍّ وَالرِّقُّ مُخْتَصٌّ بِالْحَيِّ وَلا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ فَلا يُحِلُّهُ الرِّقُّ
-----------
( حاشية ابن عابدين )
( قَوْلُهُ وَلَوْ فِي وِعَاءٍ ) أَتَى بِلَوْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ , وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الأَوْلَى تَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ ; لأَنَّ حُكْمَ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ تَقَدَّمَ دَفْعُهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الضَّرْعَ خَاصٌّ بِذَوَاتِ الأَرْبَعِ كَالثَّدْيِ لِلْمَرْأَةِ , فَالأَوْلَى عَدَمُ التَّقْيِيدِ لِيَعُمَّ مَا قَبْلَ الانْفِصَالِ وَمَا بَعْدَهُ ( قَوْلُهُ عَلَى الأَظْهَرِ ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُ بَيْعِ لَبَنِ الأَمَةِ لِجَوَازِ إيرَادِ الْبَيْعِ عَلَى نَفْسِهَا فَكَذَا عَلَى جُزْئِهَا قُلْنَا : الرِّقُّ حِلُّ نَفْسِهَا فَأَمَّا اللَّبَنُ فَلا رِقَّ فِيهِ ; لأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْقُوَّةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحَيُّ , وَلا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ فَلا يَكُونُ مَحَلا لِلْعِتْقِ , وَلا لِلرِّقِّ فَكَذَا الْبَيْعُ . وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لا يَضْمَنُ مُتْلِفُهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَالٍ , وَإِلَى أَنَّهُ لا يَحِلُّ التَّدَاوِي بِهِ فِي الْعَيْنِ الرَّمْدَاءِ . وَفِيهِ قَوْلانِ : قِيلَ بِالْمَنْعِ , وَقِيلَ بِالْجَوَازِ إذَا عُلِمَ فِيهِ الشِّفَاءُ كَمَا فِي الْفَتْحِ هُنَا . مَطْلَبٌ فِي التَّدَاوِي بِلَبَنِ الْبِنْتِ لِلرَّمَدِ قَوْلانِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : إنَّ أَهْلَ الطِّبِّ يُثْبِتُونَ نَفْعًا لِلَبَنِ الْبِنْتِ لِلْعَيْنِ وَهِيَ مِنْ أَفْرَادِ مَسْأَلَةِ الانْتِفَاعِ بِالْمُحَرَّمِ لِلتَّدَاوِي كَالْخَمْرِ , وَاخْتَارَ فِي النِّهَايَةِ وَالْخَانِيَّةِ الْجَوَازَ إذَا عُلِمَ فِيهِ الشِّفَاءُ وَلَمْ يَجِدْ دَوَاءً غَيْرَهُ بَحْرٌ , وَسَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - تَمَامُهُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ , وَكَذَا فِي الْحَظْرِ وَالإِبَاحَةِ .
---( رد المحتار على الدر المختار 4 / 215 ط إحياء التراث )---
( الدر المختار )
( وَصَحَّ بَيْعُ الْكَلْبِ ) وَلَوْ عَقُورًا ( وَالْفَهْدُ ) وَالْفِيلُ وَالْقِرْدُ ( وَالسِّبَاعُ ) بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا حَتَّى الْهِرَّةُ وَكَذَا الطُّيُورُ ( عُلِّمَتْ أَوْ لا ) سِوَى الْخِنْزِيرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلانْتِفَاعِ بِهَا وَبِجِلْدِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالتَّمَسْخُرُ بِالْقِرْدِ , وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لا يَمْنَعُ بَيْعَهُ بَلْ يَكْرَهُهُ كَبَيْعِ الْعَصِيرِ شَرْحٌ وَهْبَانِيَّةٌ . [ فَرْعٌ ] لا يَنْبَغِي اتِّخَاذُ كَلْبٍ إلا لِخَوْفِ لِصٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَلا بَأْسَ بِهِ وَمِثْلُهُ سَائِرُ السِّبَاعِ عَيْنِيٌّ وَجَازَ اقْتِنَاؤُهُ لِصَيْدٍ وَحِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ وَزَرْعٍ إجْمَاعًا ( كَمَا صَحَّ بَيْعُ خُرْءِ حَمَامٍ كَثِيرٍ وَ ) صَحَّ ( هِبَتُهُ ) قُنْيَةٌ ( وَ ) أَدْنَى ( الْقِيمَةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فَلْسٌ وَلَوْ كَانَتْ كَسْرَةَ خُبْزٍ لا يَجُوزُ ) قُنْيَةٌ ( كَمَا لا يَجُوزُ ) بَيْعُ هَوَامِّ الأَرْضِ كَالْخَنَافِسِ وَالْقَنَافِذِ وَالْعَقَارِبِ وَالْوَزَغِ وَالضَّبِّ ( وَ ) لا هَوَامِّ ( الْبَحْرِ كَالسَّرَطَانِ ) وَكُلُّ مَا فِيهِ سِوَى سَمَكٍ وَجَوَّزَ فِي الْقُنْيَةِ بَيْعَ مَالِهِ ثَمَنٌ كَسَقَنْقُورٍ وَجُلُودِ خَزٍّ وَجَمَلِ الْمَاءِ لَوْ حَيًّا وَأَطْلَقَ الْحَسَنُ الْجَوَازَ وَجَوَّزَ أَبُو اللَّيْثِ بَيْعَ الْحَيَّاتِ إنْ اُنْتُفِعَ بِهَا فِي الأَدْوِيَةِ وَإِلا لا وَرَدَّهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ لأَنَّ الْمُحَرَّمَ شَرْعًا لا يَجُوزُ الانْتِفَاعُ بِهِ لِلتَّدَاوِي كَالْخَمْرِ فَلا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى شَرْعِ الْبَيْعِ
-----------
( حاشية ابن عابدين )
( قَوْلُهُ وَلَوْ عَقُورًا ) فِيهِ كَلامٌ يَأْتِي ( قَوْلُهُ وَالْفِيلُ ) هَذَا بِالإِجْمَاعِ لأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً مُبَاحُ الانْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا عَلَى الإِطْلاقِ فَكَانَ مَالا بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ أَيْ يَنْتَفِعُ بِهِ لِلْقِتَالِ وَالْحَمْلِ وَيَنْتَفِعُ بِعَظْمِهِ ( قَوْلُهُ وَالْقِرْدُ ) فِيهِ قَوْلانِ كَمَا يَأْتِي ( قَوْلُهُ وَالسِّبَاعُ ) وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِهَا بَعْدَ التَّذْكِيَةِ لإِطْعَامِ كَلْبٍ أَوْ سِنَّوْرٍ , بِخِلافِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ لأَنَّهُ لا يَجُوزُ إطْعَامُهُ مُحِيطٌ لَكِنْ عَلَى أَصَحِّ التَّصْحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ الذَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ لا تُطَهِّرُ إلا الْجَلْدَ دُونَ اللَّحْمِ لا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّحْمِ شُرُنْبُلالِيَّةٌ ( قَوْلُهُ حَتَّى الْهِرَّةُ ) لأَنَّهَا تَصْطَادُ الْفَأْرَ وَالْهَوَامَّ الْمُؤْذِيَةَ فَهِيَ مُنْتَفَعٌ بِهَا فَتْحٌ ( قَوْلُهُ وَكَذَا الطُّيُورُ ) أَيْ الْجَوَارِحُ دُرَرٌ ( قَوْلُهُ عُلِّمَتْ أَوْ لا ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ فِي الأَصْلِ , وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ , أَنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي لا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ , وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الأَسَدِ إنْ كَانَ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ , وَيُصْطَادُ بِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ , وَإِلا فَلا وَالْفَهْدُ وَالْبَازِي يَقْبَلانِ التَّعْلِيمَ , فَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ ا هـ . قَالَ فِي الْفَتْحِ : فَعَلَى هَذَا لا يَجُوزُ بَيْعُ النَّمِرِ بِحَالٍ لأَنَّهُ لِشَرَاسَتِهِ لا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ , وَفِي بَيْعِ الْقِرْدِ رِوَايَتَانِ ا هـ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ وَهُوَ الأَصَحُّ زَيْلَعِيٌّ أَنَّهُ يُمْكِنُ الانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ , وَهُوَ وَجْهُ مَا فِي الْمَتْنِ أَيْضًا وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ الْجَوَازِ لأَنَّهُ لا يُشْتَرَى لِلانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ عَادَةً بَلْ لِلتَّلَهِّي بِهِ وَهُوَ حَرَامٌ ا هـ بَحْرٌ . قُلْت : وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْلا قَصَدَ التَّلَهِّيَ بِهِ لَجَازَ بَيْعُهُ , ثُمَّ إنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ هَذَا لا يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الْبَيْعِ بَلْ كَرَاهَتَهُ . وَالْحَاصِلُ : أَنَّ الْمُتُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ مَا سِوَى الْخِنْزِيرِ مُطْلَقًا وَصَحَّحَ السَّرَخْسِيُّ التَّقْيِيدَ بِالْمُعَلَّمِ مِنْهَا ( قَوْلُهُ لا يَنْبَغِي اتِّخَاذُ كَلْبٍ إلَخْ ) الأَحْسَنُ عِبَارَةُ الْفَتْحِ , وَأَمَّا اقْتِنَاؤُهُ لِلصَّيْدِ وَحِرَاسَةِ الْمَاشِيَةِ وَالْبُيُوتِ وَالزَّرْعِ , فَيَجُوزُ بِالإِجْمَاعِ لَكِنْ لا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَهُ فِي دَارِهِ إلا إنْ خَافَ لُصُوصًا أَوْ أَعْدَاءً لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " { مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ } " ( قَوْلُهُ خُرْءِ حَمَامٍ كَثِيرٍ ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ فَلْسًا فَإِنَّهُ أَقَلُّ قِيمَةِ الْمَبِيعِ ط , وَمِثْلُ الْحَمَامِ بَقِيَّةُ الطُّيُورِ الْمَأْكُولَةِ لِطَهَارَةِ خُرْئِهَا , وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ جَوَازُ بَيْعِ سِرْقِينِ وَبَعْرٍ , وَلَوْ خَالِصَيْنِ وَالانْتِفَاعُ بِهِ وَالْوُقُودُ بِهِ وَبَيْعُ رَجِيعِ الآدَمِيِّ لَوْ مَخْلُوطًا بِتُرَابٍ ( قَوْلُهُ لا يَجُوزُ ) أَيْ إذَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا فَلْسًا ( قَوْلُهُ وَالْقَنَافِذِ ) جَمْعُ قُنْفُذٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتُفْتَحُ مِصْبَاحٌ , وَذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ( قَوْلُهُ وَالْوَزَغِ ) هُوَ سَامٌّ أَبْرَصُ ( قَوْلُهُ وَكُلُّ مَا فِيهِ ) أَيْ فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ سِوَى سَمَكٍ ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ إلا السَّمَكَ وَمَا جَازَ الانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ أَوْ عَظْمِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ بَيْعُ مَا لَهُ ثَمَنٌ ) فِي الشُّرُنْبُلالِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَلَقِ فِي الصَّحِيحِ لِتَمَوُّلِ النَّاسِ , وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ لِمُعَالَجَةِ مَصِّ الدَّمِ مِنْ الْجَسَدِ ا هـ . قُلْت : وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ دُودَةِ الْقِرْمِزِ , لأَنَّهَا مِنْ أَعَزِّ الأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا فِي زَمَانِنَا وَيُنْتَفَعُ بِهَا خِلافًا لِمَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ لا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلا يَضْمَنُ مُتْلِفُهَا كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ( قَوْلُهُ كَسَقَنْقُورٍ ) حَيَوَانٌ مُسْتَقِلٌّ وَقِيلَ بَيْضُ التَّمَاسِيحِ إذَا فَسَدَ وَيَكْبَرُ طُولَ ذِرَاعَيْنِ عَلَى أَنْحَاءِ السَّمَكَةِ وَتَمَامُهُ فِي تَذْكِرَةِ الشَّيْخِ دَاوُد ( قَوْلُهُ وَجُلُودِ خَزٍّ ) الْخَزُّ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّخَذِ مِنْ وَبَرِهَا مِصْبَاحٌ ( قَوْلُهُ لَوْ حَيًّا ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ قِيلَ يَجُوزُ حَيًّا لا مَيِّتًا إلَخْ . مَطْلَبٌ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ ( قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ ) قَدَّمْنَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَبَنُ امْرَأَةٍ أَنَّ صَاحِبَ الْخَانِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ اخْتَارَا جَوَازَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَلَمْ يَجِدْ دَوَاءً غَيْرَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ : وَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ لِلْعَلِيلِ شُرْبُ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ لِلتَّدَاوِي إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ فِيهِ شِفَاءَهُ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ الْمُبَاحِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ , وَإِنْ قَالَ الطَّبِيبُ يَتَعَجَّلُ شِفَاؤُك بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ , وَهَلْ يَجُوزُ شُرْبُ الْعَلِيلِ مِنْ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي فِيهِ وَجْهَانِ , وَكَذَا ذَكَرَهُ الإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَمَا قِيلَ إنَّ الاسْتِشْفَاءَ بِالْحَرَامِ حَرَامٌ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلاقِهِ وَأَنَّ الاسْتِشْفَاءَ بِالْحَرَامِ إنَّمَا لا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً أَمَّا إنْ عُلِمَ وَلَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ غَيْرَهُ يَجُوزُ وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه لَمْ يُجْعَلْ شِفَاؤُكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ فِي دَاءٍ عَرَفَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْمُحَرَّمِ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي بِالْحَلالِ عَنْ الْحَرَامِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَنْكَشِفُ الْحُرْمَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلا يَكُونُ الشِّفَاءُ بِالْحَرَامِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلالِ ا هـ نُورُ الْعَيْنِ مِنْ آخِرِ الْفَصْلِ التَّاسِعِ وَالأَرْبَعِينَ
================
Mausuah fikih: juz 11- hal 120
by PPNHM
التَّدَاوِي بِالنَّجَسِ وَالْمُحَرَّمِ :
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ وَالنَّجَسِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ " (1) وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : < إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً ، فَتَدَاوَوْا ، وَلا تَتَدَاوَوْا بِالْحَرَامِ > (2)
وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ " إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُدَلِّكُ بِالْخَمْرِ ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ظَاهِرَ الْخَمْرِ وَبَاطِنَهَا ، وَقَدْ حَرَّمَ مَسَّ الْخَمْرِ كَمَا حَرَّمَ شُرْبَهَا ، فَلا تُمِسُّوهَا أَجْسَادَكُمْ ، فَإِنَّهَا نَجَسٌ " .
وَقَدْ عَمَّمَ الْمَالِكِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ فِي كُلِّ نَجَسٍ وَمُحَرَّمٍ ، سَوَاءٌ أَكَانَ خَمْرًا ، أَمْ مَيْتَةً ، أَمْ أَيَّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّدَاوِي بِهِ عَنْ طَرِيقِ الشُّرْبِ أَوْ طِلاءِ الْجَسَدِ بِهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ صِرْفًا أَوْ مَخْلُوطًا مَعَ دَوَاءٍ جَائِزٍ ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ حَالَةً وَاحِدَةً أَجَازُوا التَّدَاوِيَ بِهِمَا ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ التَّدَاوِي بِالطِّلاءِ ، وَيُخَافُ بِتَرْكِهِ الْمَوْتُ ، سَوَاءٌ كَانَ الطِّلاءُ نَجَسًا أَوْ مُحَرَّمًا ، صِرْفًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِدَوَاءٍ جَائِزٍ .
وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى الْمُحَرَّمِ وَالنَّجَسِ كُلَّ مُسْتَخْبَثٍ ، كَبَوْلِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرِهِ ، إِلا أَبْوَالَ الإِبِلِ فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الدَّوَاءَ الْمَسْمُومَ إِنْ غَلَبَتْ مِنْهُ السَّلامَةُ ، وَرُجِيَ نَفْعُهُ ، أُبِيحَ شُرْبُهُ لِدَفْعِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ ، كَغَيْرِهِ مِنَ الأَدْوِيَةِ ، كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ وَالنَّجَسِ ، بِغَيْرِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا إِلَى حُرْمَةِ التَّدَاوِي بِصَوْتِ مَلْهَاةٍ ، كَسَمَاعِ الْغِنَاءِ الْمُحَرَّمِ ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : < وَلا تَتَدَاوَوْا بِالْحَرَامِ > .
وَشَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لِجَوَازِ التَّدَاوِي بِالنَّجَسِ وَالْمُحَرَّمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً ، وَلا يَجِدُ دَوَاءً غَيْرَهُ ، قَالُوا : وَمَا قِيلَ إِنَّ الاسْتِشْفَاءَ بِالْحَرَامِ حَرَامٌ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إِطْلاقِهِ ، وَإِنَّ الاسْتِشْفَاءَ بِالْحَرَامِ إِنَّمَا لا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً ، أَمَّا إِذَا عَلِمَ ، وَلَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ غَيْرَهُ ، فَيَجُوزُ .
وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ فِي دَاءٍ عُرِفَ لَهُ دَوَاءٌ غَيْرَ الْمُحَرَّمِ ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي بِالْحَلالِ عَنِ الْحَرَامِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَنْكَشِفُ الْحُرْمَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، فَلا يَكُونُ الشِّفَاءُ بِالْحَرَامِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلالِ .
وَقَصَرَ الشَّافِعِيَّةُ الْحُكْمَ عَلَى النَّجَسِ وَالْمُحَرَّمِ الصِّرْفِ ، فَلا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِمَا ، أَمَّا إِذَا كَانَا مُسْتَهْلَكَيْنِ مَعَ دَوَاءٍ آخَرَ ، فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِمَا بِشَرْطَيْنِ : أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالطِّبِّ ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا فِي نَفْسِهِ ، أَوْ إِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ ، وَأَنْ يَتَعَيَّنَ هَذَا الدَّوَاءُ فَلا يُغْنِي عَنْهُ طَاهِرٌ . وَإِذَا كَانَ التَّدَاوِي بِالنَّجَسِ وَالْمُحَرَّمِ لِتَعْجِيلِ الشِّفَاءِ بِهِ ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَهُمْ ، وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِيهِ قَوْلانِ (3) .
(1)حديث : " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " أخرجه البخاري ( الفتح 10 / 78 ـ ط السلفية ) معلقا ، ووصله الإمام أحمد من قول ابن مسعود موقوفا عليه في كتاب الأشربة ( ص 63 ط وزارة الأوقاف العراقية ) ، وصححه ابن حجر في الفتح ( 10 / 79 ـ ط السلفية ) .
(2)حديث : " إن الله أنزل الداء والدواء " سبق تخريجه ( ف 5 ) .
(3)حاشية ابن عابدين 4 / 113 ، 215 ، وحاشية الدسوقي 4 / 353 ، 354 ، والفواكه الدواني 2 / 441 ، وحواشي الشرواني وابن القاسم على التحفة 9 / 170 ، وقليوبي وعميرة 3 / 203 ، وكشاف القناع 2 / 76 ، 6 / 116 ، 200 ، والإنصاف 2 / 463 ، 464 ، والفروع 2 / 165 وما بعدها .